1
İT6/197 İbn Kesîr, Tefsîr, VI, 197.
{ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) } . [نزلت] (1) هذه الآيات حين غلب (2) سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، واضطر هرقل مَلك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية، وحاصره فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل، كما سيأتي. قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (3) ، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ } قال: غُلبت وغَلَبت. قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر (4) الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، فذُكر (5) ذلك لأبي بكر، ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا. فجعل أجلا خمس (6) سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ألا جعلتها إلى دُون" أراه قال: "العشر". "قال سعيد بن جبير: البضع ما دون العشر. ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } . هكذا رواه (7) الترمذي والنسائي جميعا، عن الحسين (8) بن حُرَيْث، عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان بن سعيد الثوري (9) به، وقال الترمذي: حسن غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان، عن حبيب.
2
İT6/300 İbn Kesîr, Tefsîr, VI, 300. قال أبو بكر بن عبد الله: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا قال: أما إنك لو رأيتها (1) لرأيت المدائن التي خربت، والزيتون الذي قطع. فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته (2) . قال عطاء الخراساني: حدثني يحيى بن يَعْمَر: أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهريراز (3) ، فالتقيا بأذرعات وبُصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس. ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون. قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب [ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب] (4) ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرَنّ عليكم، فأنزل الله: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ } ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا، فلا تفرحوا، ولا يُقرَّن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم. فقام إليه أبيّ بن خَلَف فقال: كذبت يا أبا فضيل. فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدو الله. فقال: أناحبُكَ عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غَرِمتُ، وإن ظهرت فارس غرمتَ إلى ثلاث سنين. ثم جاء (5) أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايدْه في الخَطَر ومادّهْ في الأجل"، فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال: لعلك ندمت؟ فقال: لا تعال أزايدك في الخَطَر وأمادُّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين. قال: قد فعلت، فظهرت الروم على فارس قبل ذلك، فغلبهم المسلمون. قال عكرمة: لما أن ظهرت فارس على الروم، جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز (6) فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى. فبلغت كسرى فكتب إلى شهريراز (7) إذا أتاك كتابي [هذا] (8) فابعث إليَّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرخان، له نكاية وصوت في العدو، فلا تفعل. فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفًا منه، فعجّل إليَّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى فلم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس: إني قد نزعت (9) عنكم شهريراز، واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة فقال: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه. فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع إليه الصحيفة، قال (10) ائتوني بشهريراز (11) وقَدَّمَه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل [عليَّ] (12) حتى أكتب وصيتي، قال: نعم. فدعا بالسَّفط فأعطاه
3
Rûm, 30/ 1-5. الٓمٓ۠ ﴿1﴾ غُلِبَتِ الرُّومُۙ ﴿2﴾ ف۪ٓي اَدْنَى الْاَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَۙ ﴿3﴾ ف۪ي بِضْعِ سِن۪ينَۜ لِلّٰهِ الْاَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُۜ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَۙ ﴿4﴾ بِنَصْرِ اللّٰهِۜ يَنْصُرُ مَنْ يَشَٓاءُۜ وَهُوَ الْعَز۪يزُ الرَّح۪يمُ ﴿5﴾
4
İT6/298 İbn Kesîr, Tefsîr, VI, 299. ورواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن إسحاق الصاغاني ، عن معاوية بن عمرو، به. ورواه ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن سعيد -أو سعيد الثعلبي الذي يقال له: أبو سعد من أهل طرسوس -حدثنا أبو إسحاق الفزاري، فذكره. وعندهم: قال سفيان: فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر. حديث آخر: قال سليمان بن مِهْران الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. أخرجاه. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن عامر -هو الشعبي -عن عبد الله -هو ابن مسعود رضي الله عنه -قال: كان فارس ظاهرًا على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم. وك ان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ } قالوا: يا أبا بكر، إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين؟! قال: صدق. قالوا: هل لك إلى أن نقامرك، فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين، فمضت السبع ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين، فذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بضع سنين عندكم"؟ قالوا: دون العشر. قال: "اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل". قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك، وأنزل الله: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ } إلى قوله: { [وَعْدَ اللَّهِ] لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ }. حديث آخر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عمر الوَكِيعي، حدثنا مُؤَمَّل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما نزلت: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } ، قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس. قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلا فحل الأجل قبل أن تغلب الرومُ فارسَ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك وكرهه، وقال لأبي بكر: "ما دعاك إلى هذا؟" قال: تصديقًا لله ولرسوله. فقال: "تَعَرَّض لهم وأعظم الخَطَر واجعله إلى بضع سنين". فأتاهم أبو بكر فقال لهم: هل لكم في العود، فإن العود أحمد؟ قالوا: (ص. 298) نعم. [قال] فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارسَ، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية، فجاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا السحت، قال: " تصدق به". حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، أخبرني ابن أبي الزِّنَاد، عن عروة بن الزبير عن نيَار بن مُكرَم الأسلمي قال: لما نزلت، { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } ، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } ، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } ، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينك . زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان -فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضَعُوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فَسمِّ بيننا وبينك وَسَطًا ننتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال: لأن الله قال: { فِي بِضْعِ سِنِينَ } . قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير . هكذا ساقه الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد. وقد روي نحو هذا مرسلا عن جماعة من التابعين، مثل عِكْرِمة، والشعبي، ومجاهد، وقتادة، والسُّدِّي، والزهري، وغيرهم. ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سُنَيد بن داود في تفسيره حيث قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن عكرمة قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك، فأشيري عَليَّ، أيَّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر. وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان. وهذا شهريراز ، وهو أحلم من كذا -تعني أولادها الثلاثة -فاستعمل أيهم شئت. قال: فإني قد استعملت الحليم. فاستعمل شهريراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. (ص. 299)
5
T3194 Tirmizî, Tefsîru’l-Kur’ân, 30. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ الأَسْلَمِىِّ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ ) فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَفِى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ لأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلاَ إِيمَانٍ بِبَعْثٍ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضى الله عنه يَصِيحُ فِى نَوَاحِى مَكَّةَ ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ ) قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لأَبِى بَكْرٍ فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسًا فِى بِضْعِ سِنِينَ أَفَلاَ نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ بَلَى . وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ وَقَالُوا لأَبِى بَكْرٍ كَمْ تَجْعَلُ الْبِضْعُ ثَلاَثُ سِنِينَ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطًا تَنْتَهِى إِلَيْهِ . قَالَ فَسَمَّوْا بَيْنَهُمْ سِتَّ سِنِينَ قَالَ فَمَضَتِ السِّتُّ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْنَ أَبِى بَكْرٍ فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ تَسْمِيَةَ سِتِّ سِنِينَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ( فِى بِضْعِ سِنِينَ ) قَالَ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ . قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى الزِّنَادِ .
6
İT6/298 İbn Kesîr, Tefsîr, VI, 298-299. ورواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن إسحاق الصاغاني ، عن معاوية بن عمرو، به. ورواه ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن سعيد -أو سعيد الثعلبي الذي يقال له: أبو سعد من أهل طرسوس -حدثنا أبو إسحاق الفزاري، فذكره. وعندهم: قال سفيان: فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر. حديث آخر: قال سليمان بن مِهْران الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. أخرجاه. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن عامر -هو الشعبي -عن عبد الله -هو ابن مسعود رضي الله عنه -قال: كان فارس ظاهرًا على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم. وك ان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ } قالوا: يا أبا بكر، إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين؟! قال: صدق. قالوا: هل لك إلى أن نقامرك، فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين، فمضت السبع ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين، فذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بضع سنين عندكم"؟ قالوا: دون العشر. قال: "اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل". قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك، وأنزل الله: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ } إلى قوله: { [وَعْدَ اللَّهِ] لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ }. حديث آخر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عمر الوَكِيعي، حدثنا مُؤَمَّل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما نزلت: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } ، قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس. قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلا فحل الأجل قبل أن تغلب الرومُ فارسَ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك وكرهه، وقال لأبي بكر: "ما دعاك إلى هذا؟" قال: تصديقًا لله ولرسوله. فقال: "تَعَرَّض لهم وأعظم الخَطَر واجعله إلى بضع سنين". فأتاهم أبو بكر فقال لهم: هل لكم في العود، فإن العود أحمد؟ قالوا: (ص. 298) نعم. [قال] فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارسَ، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية، فجاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا السحت، قال: " تصدق به". حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، أخبرني ابن أبي الزِّنَاد، عن عروة بن الزبير عن نيَار بن مُكرَم الأسلمي قال: لما نزلت، { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } ، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } ، وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: { الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } ، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينك . زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان -فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضَعُوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فَسمِّ بيننا وبينك وَسَطًا ننتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال: لأن الله قال: { فِي بِضْعِ سِنِينَ } . قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير . هكذا ساقه الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد. وقد روي نحو هذا مرسلا عن جماعة من التابعين، مثل عِكْرِمة، والشعبي، ومجاهد، وقتادة، والسُّدِّي، والزهري، وغيرهم. ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سُنَيد بن داود في تفسيره حيث قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن عكرمة قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك، فأشيري عَليَّ، أيَّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر. وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان. وهذا شهريراز ، وهو أحلم من كذا -تعني أولادها الثلاثة -فاستعمل أيهم شئت. قال: فإني قد استعملت الحليم. فاستعمل شهريراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. (ص. 299)