Hadislerle İslâm Cilt 7 Sayfa 80

Ancak Allah Resûlü onların mevzileri terk etmesinden rahatsız olsa da fazla endişe duymamıştı. Zira Allah Teâlâ"nın vaadinden dönmeyeceğine, Müslümanlara yardım edeceğine inancı tamdı. Gidenler gitti, gerçek müminler ise onun etrafında kenetlendi.

Hz. Peygamber, düşman ittifakını bozmak üzere harekete geçti. Gatafânlılara Medine"nin yıllık hurma mahsulünün üçte biri karşılığında savaştan çekilmelerini teklif etti. Onlar ise mahsulün tamamını istediler. Fakat Resûlullah üçte bir oranında ısrar edince teklifi kabul etmek zorunda kaldılar. Sonra Allah Resûlü yapılan bu görüşmeyi ensarın ileri gelenlerinden, Evs ve Hazrec kabilelerinin liderleri Sa"d b. Muâz ve Sa"d b. Ubâde ile istişare etti. Onlar Hz. Peygamber"e bunun Allah"ın emri mi yoksa kendi görüşü mü olduğunu sordular. Allah Resûlü, kendi kararı olduğunu söyledi. Bunun üzerine onlar, böyle bir şeye ihtiyaçları olmadığını belirterek anlaşmayı kabul etmediler.28

Savaş başladığı sıralarda Eşca" kabilesinin reisi Nuaym b. Mes"ûd, Müslüman olmuş fakat bundan kimsenin haberi olmamıştı. Nuaym, İslâm"ı kabul ettiğini bildirmek üzere Hz. Peygamber"e geldi ve “Ne istersen bana emret.” diyerek Allah Resûlü"nün hizmetinde olacağını söyledi. Bunun üzerine Resûlullah, “Elinden geliyorsa insanların savaştan çekilmelerini sağla.” dedi. Nuaym, Kurayzaoğulları"na gidip Medine dışındaki müttefiklerinin, yurtlarına döndükten sonra onları Müslümanlara karşı yalnız bırakacaklarını, dolayısıyla Kureyşliler ve Gatafânlılardan ileri gelen bazı kimseleri teminat için rehin almadan savaşmamaları gerektiğini söyledi. Sonra aynı şekilde Kureyşlilere gidip onlara da Yahudilerin Hz. Peygamber ile olan antlaşmalarını bozduklarına pişman olduklarını ve tekrar gizlice anlaştıklarını söyledi. Ayrıca Yahudilerin kendilerinden bazı kimseleri rehin isteyeceklerini söyleyerek böyle bir durumda kimseyi vermemelerini tembihledi. Çok geçmeden Yahudiler, Kureyşliler ve Gatafânlılara kendi güvenlikleri için ileri gelen bazı kişileri rehin almak istediklerini bildirdiler. Kureyşliler ise bu isteklerini asla yerine getirmeyeceklerini haber verdiler. Aralarında defalarca elçiler gidip gelmesine rağmen herhangi bir uzlaşmaya varamadılar. Böylece Nuaym b. Mes"ûd"un planı işe yaradı. Kurayzaoğulları ile Kureyşliler ve Gatafânlılar"ın arasında güvensizlik ortamı oluşturularak ittifakın bozulması sağlandı.29

Yaklaşık on bin kişilik bir ordudan oluşan müttefikler, sürekli hendeğin zayıf noktalarını kolluyor ve saldırılarını artırıyorlardı.

    

Dipnotlar

28 HS4/180 İbn Hişâm, Sîret, IV, 180-181;

محاولة الصلح مع غطفان فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث الى سعد بن معاذ وسعد ابن عبادة فذكر لهما واستشارهما فيه فقالا له يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا قال بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك(ص. 180)إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم الى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكاوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا والله ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا من حاول عبور الخندق من المشركين قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا اأن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن ابي قيس أخو بني عامر بن لؤي قال ابن هشام ويقال عمرو بن كعب بن أبي قيس قال بن اسحاق وعكرمة بن ابي جهل وهبير بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الشاعر ابن مرداس أخو بني محارب بن فهر تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان(ص. 181) VM2/476 Vâkıdî, Meğâzî, I, 478. حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِيَاحٍ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ فَأَرْسَلَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ابْنَتَهَا بِجَفْنَةِ تَمْرٍ عَجْوَةٍ فِي ثَوْبِهَا، فَقَالَتْ يَا بُنَيّةُ اذْهَبِي إلَى أَبِيك بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا. فَانْطَلَقَتْ الْجَارِيَةُ حَتّى تَأْتِيَ الْخَنْدَقَ، فَتَجِدَ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي أَصْحَابِهِ وَهِيَ تَلْتَمِسُهُمَا، فَقَالَ: "تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟". قَالَتْ: بَعَثَتْنِي أُمّي إلَى أَبِي وَخَالِي بِغَدَائِهِمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَاتِيهِ!". قَالَتْ: فَأَعْطَيْته فَأَخَذَهُ فِي كَفّيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ وَجَاءَ بِالتّمْرِ فَنَثَرَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ الثّوْبِ فَقَالَ لِجُعَالِ بْنِ سُرَاقَةَ نَادِ 1 بِأَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ. فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ يَأْكُلُونَ مِنْهُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ وَإِنّهُ لَيَفِيضُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ.وَحَدّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ معتب قال: أرسلت(ص. 476)أُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّةُ بِقَعْبَةٍ فِيهَا حَيْسٌ 1 إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي قُبّتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أُمّ سَلَمَةَ فَأَكَلَتْ أُمّ سَلَمَةَ حَاجَتَهَا، ثُمّ خَرَجَ بِالْبَقِيّةِ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَشَائِهِ فَأَكَلَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ حَتّى نَهِلُوا وَهِيَ كَمَا هِيَ.حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ حُصِرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ بِضْعَ عَشْرَةَ حَتّى خَلُصَ إلَى كُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ الْكَرْبُ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللّهُمّ إنّي أَنْشُدُك عَهْدَك وَوَعْدَك اللّهُمّ إنّك إنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ" فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَالِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ - وَلَمْ يَحْضُرْ الْخَنْدَقَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ وَلَا قَوْمُهُ وَيُقَالُ حَضَرَهَا الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَإِلَى عُيَيْنَةَ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَكُمْ ثُلُثَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ تَرْجِعَانِ بِمَنْ مَعَكُمْ وَتُخَذّلَانِ بَيْنَ الْأَعْرَابِ ؟ قَالَا: تُعْطِينَا نِصْفَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَزِيدَهُمَا عَلَى الثّلُثِ فَرَضِيَا بِذَلِكَ وَجَاءَا فِي عَشَرَةٍ مِنْ قَوْمِهِمَا حِينَ 2 تَقَارَبَ الْأَمْرُ فَجَاءُوا وَقَدْ أَحَضَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَأَحْضَرَ الصّحِيفَةَ وَالدّوَاةَ وَأَحْضَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فَأَعْطَاهُ الصّحِيفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ. فَأَقْبَلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(ص. 477)وَلَا يَدْرِي بِمَا كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَلَمّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ عُيَيْنَةُ مَادّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمَ مَا يُرِيدُونَ فَقَالَ يَا عَيْنَ الْهِجْرِسِ 1 اقْبِضْ رِجْلَيْك أَتَمُدّ رِجْلَيْك بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ ؟ وَمَعَهُ الرّمْحُ. وَاَللّهِ لَوْلَا رَسُولُ اللّهِ لَأَنْفَذْتُ خُصْيَتَيْك بِالرّمْحِ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ مَتَى طَمِعُوا 2 بِهَذَا مِنّا ؟ فَأُسْكِتَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَاسْتَشَارَهُمَا فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَيْهِمَا، وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَتَكَلّمَ بِكَلَامٍ يُخْفِيهِ وَأَخْبَرَهُمَا بِمَا قَدْ أَرَادَ مِنْ الصّلْحِ. فَقَالَا: إنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَمْ تُؤْمَرْ فِيهِ وَلَك فِيهِ هَوًى فَامْضِ لِمَا كَانَ لَك فِيهِ هَوًى، فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَإِنْ كَانَ إنّمَا هُوَ الرّأْيُ فَمَا لَهُمْ عِنْدَنَا إلّا السّيْفُ. وَأَخَذَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْكِتَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسِ وَاحِدَةٍ فَقُلْت أُرْضِيهِمْ وَلَا أُقَاتِلُهُمْ". فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانُوا لَيَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ 3 فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ الْجَهْدِ مَا طَمِعُوا بِهَذَا مِنّا قَطّ، أَنْ يَأْخُذُوا تَمْرَةً إلّا بِشِرًى أو قِرًى فَحِينَ أَتَانَا اللّهُ تَعَالَى بِك، وَأَكْرَمَنَا بِك، وَهَدَانَا بِك نُعْطِي الدّنِيّةَ لَا نُعْطِيهِمْ أَبَدًا إلّا السّيْفَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "شُقّ الْكِتَابُ". فَتَفَلَ سَعْدٌ فِيهِ ثُمّ شَقّهُ وَقَالَ: بَيْنَنَا السّيْفُ فَقَامَ عُيَيْنَةُ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا وَاَللّهِ لَلّتِي تَرَكْتُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْخُطّةِ الّتِي أخذتم(ص. 478)

29 VM2/480 Vâkıdî, Meğâzî, II, 482.

ذِكْرُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَاصِمٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَهْلَ شَرَفٍ وَأَمْوَالٍ وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا، لَا نَخْلَ لَنَا وَلَا كَرْمَ وَإِنّمَا نَحْنُ أَهْلُ شَاةٍ وَبَعِيرٍ.فَكُنْت أَقْدَمُ عَلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، فَأُقِيمُ عِنْدَهُمْ الْأَيّامَ أَشْرَبُ مِنْ شَرَابِهِمْ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ثُمّ يُحَمّلُونَنِي تَمْرًا عَلَى رِكَابِي مَا كَانَتْ فَأَرْجِعُ إلَى أَهْلِي. فَلَمّا سَارَتْ الْأَحْزَابُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِرْت مَعَ قَوْمِي، وَأَنَا عَلَى دِينِي، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِفًا، فَأَقَامَتْ الْأَحْزَابُ مَا أَقَامَتْ حَتّى أَجْدَبَ الْجَنَابُ وَهَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَقَذَفَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ. وَكَتَمْت قَوْمِي إسْلَامِي، فَأَخْرُجُ حَتّى آتِي رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَجِدُهُ يُصَلّي، فَلَمّا رَآنِي جَلَسَ ثُمّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِك يَا نُعَيْمُ ؟". قُلْت: إنّي جِئْت أُصَدّقُك وَأَشْهَدُ أَنّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَاَللّهِ لَا تَأْمُرُنِي بِأَمْرٍ إلّا مَضَيْت لَهُ قَوْمِي لَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِي وَلَا غَيْرُهُمْ. قَالَ مَا اسْتَطَعْت أَنْ تُخَذّلَ النّاسَ فَخَذّلْ قَالَ قلت: أفعل ولكن(ص. 480)يَا رَسُولَ اللّهِ أَقُولُ فَأَذِنَ لِي. قَالَ: " قُلْ مَا بَدَا لَك فَأَنْتَ فِي حِلّ". قَالَ: فَذَهَبْت حَتّى جِئْت بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمّا رَأَوْنِي رَحّبُوا وَأَكْرَمُوا وَحَيّوْا وَعَرَضُوا عَلَيّ الطّعَامَ وَالشّرَابَ فَقُلْت: إنّي لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا ; إنّمَا جِئْتُكُمْ نَصَبًا بِأَمْرِكُمْ وَتَخَوّفًا عَلَيْكُمْ لِأُشِيرَ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ وَقَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَأَنْتَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تُحِبّ مِنْ الصّدْقِ وَالْبِرّ. قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي. قَالُوا: نَفْعَلُ. قَالَ إنّ أَمْرَ هَذَا الرّجُلُ بَلَاءٌ - يَعْنِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النّضِيرِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ بَعْدَ قَبْضِ الْأَمْوَالِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ سَارَ فِينَا فَاجْتَمَعْنَا مَعَهُ لِنَصْرِكُمْ وَأَرَى الْأَمْرَ قَدْ تَطَاوَلَ كَمَا تَرَوْنَ وَإِنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ مِنْ مُحَمّدٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمّا قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ فَهُمْ قَوْمٌ جَاءُوا سَيّارَةً حَتّى نَزَلُوا حَيْثُ رَأَيْتُمْ فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ أَوْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ. وَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَقَدْ غَلُظَ عَلَيْهِمْ جَانِبُ مُحَمّدٍ أَجَلَبُوا عَلَيْهِ أَمْسِ إلَى اللّيْلِ فَقَتَلَ رَأْسَهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَهَرَبُوا مِنْهُ 1 مُجَرّحِينَ وَهُمْ لَا غَنَاءَ 2 بِهِمْ عَنْكُمْ لِمَا تَعْرِفُونَ عِنْدَكُمْ. فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ قُرَيْشٍ وَلَا غَطَفَانَ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ تَسْتَوْثِقُونَ بِهِ مِنْهُمْ أَلّا يُنَاجِزُوا مُحَمّدًا. قَالُوا: أَشَرْت بِالرّأْيِ عَلَيْنَا وَالنّصْحِ. وَدَعَوْا لَهُ وَتَشَكّرُوا، وَقَالُوا: نَحْنُ فَاعِلُونَ. قَالَ: وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّي. قَالُوا: نَعَمْ نَفْعَلُ. ثُمّ خَرَجَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جِئْتُك بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَنّي. قَالَ أَفْعَلُ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنّ قُرَيْظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بينهم(ص. 481)وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَأَرَادُوا إصْلَاحَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ. أَرْسَلُوا إلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُمْ إنّا سَنَأْخُذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا نُسَلّمُهُمْ إلَيْك تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَتَرُدّ جَنَاحَنَا الّذِي كَسَرْت إلَى دِيَارِهِمْ - يَعْنُونَ بَنِي النّضِيرِ - وَنَكُونُ مَعَك عَلَى قُرَيْشٍ حَتّى نَرُدّهُمْ عَنْك. فَإِنْ بَعَثُوا إلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَشْرَافِكُمْ وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّي وَلَا تَذْكُرُوا مِنْ هَذَا حَرْفًا. قَالُوا: لَا نَذْكُرُهُ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، إنّي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي، وَاعْلَمُوا أَنّ قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إلَى مُحَمّدٍ - وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ - فَاحْذَرُوا أَنْ تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا مِنْ رِجَالِكُمْ. وَكَانَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَدّقُوهُ. وَأَرْسَلَتْ الْيَهُودُ غَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْب وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ: إنّ ثَوَاءَكُمْ قَدْ طَالَ وَلَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا وَلَيْسَ الّذِي تَصْنَعُونَ بِرَأْيٍ إنّكُمْ لَوْ وَعَدْتُمُونَا يَوْمًا تَزْحَفُونَ 1 فِيهِ إلَى مُحَمّدٍ فَتَأْتُونَ مِنْ وَجْهٍ وَتَأْتِي غَطَفَانُ مِنْ وَجْهٍ وَنَخْرُجُ نَحْنُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ يُفْلِتْ مِنْ بَعْضِنَا. وَلَكِنْ لَا نَخْرُجُ مَعَكُمْ حَتّى تُرْسِلُوا إلَيْنَا بِرِهَانٍ مِنْ أَشْرَافِكُمْ يَكُونُونَ عِنْدَنَا، فَإِنّا نَخَافُ إنْ مَسّتْكُمْ الْحَرْبُ وَأَصَابَكُمْ مَا تَكْرَهُونَ شَمّرْتُمْ وَتَرَكْتُمُونَا فِي عُقْرِ دَارِنَا وَقَدْ نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْعَدَاوَةِ. فَانْصَرَفَ الرّسُولُ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذَا مَا قَالَ نُعَيْمٌ. فَخَرَجَ نُعَيْمٌ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَا عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى جَاءَ رَسُولُكُمْ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الرّهَانَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَمّا وَلّى قَالَ: لَوْ طَلَبُوا مِنّي عَنَاقًا 2 مَا رَهَنْتهَا أَنَا أَرْهَنُهُمْ سَرَاةَ أَصْحَابِي يَدْفَعُونَهُمْ إلَى مُحَمّدٍ يَقْتُلُهُمْ فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ حَتّى تَأْخُذُوا الرّهْنَ فَإِنّكُمْ إنْ لَمْ تُقَاتِلُوا مُحَمّدًا وَانْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ تَكُونُوا عَلَى مُوَاعَدَتِكُمْ 3 الأولى. قالوا:(ص. 482)تَرْجُو ذَلِكَ يَا نُعَيْمُ ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: فَإِنّا لَا نُقَاتِلُهُ. وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا وَلَكِنْ حُيَيّ رَجُلٌ مَشْئُومٌ. قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: إنْ انْكَشَفَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ عَنْ مُحَمّدٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنّا إلّا السّيْفُ. قَالَ نُعَيْمٌ: لَا تَخْشَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ. قَالَ الزّبَيْرُ بَلَى وَالتّوْرَاةُ، وَلَوْ أَصَابَتْ الْيَهُودُ رَأْيَهَا وَلَحَمَ الْأَمْرُ لَتَخْرُجَن إلَى مُحَمّدٍ وَلَا يَطْلُبُونَ مِنْ قُرَيْشٍ رَهْنًا، فَإِنّ قُرَيْشًا لَا تُعْطِينَا رَهْنًا أَبَدًا، وَعَلَى أَيّ وَجْهٍ تُعْطِينَا قُرَيْشٌ الرّهْنَ وَعَدَدُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِنَا، وَمَعَهُمْ كُرَاعٌ وَلَا كُرَاعٌ مَعَنَا، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْهَرَبِ وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ ؟ وَهَذِهِ غَطَفَانُ تَطْلُبُ إلَى مُحَمّدٍ أَنْ يُعْطِيَهَا بَعْضَ تَمْرِ الْأَوْسِ وَتَنْصَرِفُ فَأَبَى مُحَمّدٌ إلّا السّيْفَ فَهُمْ يَنْصَرِفُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ كَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ أَنْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ الْجَنَابَ قَدْ أَجْدَبَ وَهَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ، وَغَدَرَتْ الْيَهُودُ وَكَذَبَتْ وَلَيْسَ هَذَا بِحَيْنِ مُقَامٍ فَانْصَرِفُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ: فَاعْلَمْ عِلْمَ الْيَهُودِ وَاسْتَيْقِنْ خَبَرَهُمْ.فَبَعَثُوا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ حَتّى جَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ مَسَاءَ لَيْلَةِ السّبْتِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ إنّهُ قَدْ طَالَ الْمُكْثُ وَجَهَدَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ، وَإِنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامَةٍ اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى نُنَاجِزَهُ بِالْغَدَاةِ. قَالُوا: غَدًا السّبْتُ لَا نُقَاتِلُ وَلَا نَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا، وَإِنّا مَعَ ذَلِكَ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إذَا انْقَضَى سَبْتُنَا حَتّى تُعْطُونَا رِهَانًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ مَعَنَا لِئَلّا تَبْرَحُوا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا، فَإِنّا نَخْشَى إنْ أَصَابَتْكُمْ الْحَرْبُ أَنْ تُشَمّرُوا إلَى بِلَادِكُمْ وَتَدْعُونَا وَإِيّاهُ فِي بِلَادِنَا وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مَعَنَا الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ وَالْأَمْوَالُ. فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِي جَاءَ بِهِ نُعَيْمٌ حَقّ، لَقَدْ غَدَرَ أَعْدَاءُ اللّهِ. وَأَرْسَلَتْ غطفان إليهم(ص. 483)مَسْعُودَ بْنَ رُخَيْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ رِسَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ فَأَجَابُوهُمْ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ حَيْثُ رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْهُمْ: نَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِي قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقّ. وَعَرَفُوا أَنّ قُرَيْشًا لَا تُقِيمُ فَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ فَكّرَ أَبُو سُفْيَانَ إلَيْهِمْ وَقَالَ إنّا وَاَللّهِ لَا نَفْعَلُ إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا. فَقَالَتْ الْيَهُودُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوّلِ وَجَعَلَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ: الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ تَقُولُ الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ. وَيَئِسَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلَاءِ وَيَئِسَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلَاءِ وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ فَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا خَذّلْتُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ حَتّى تَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سِرّهِ. فَكَانَ صَحِيحَ الْإِسْلَامِ بَعْدُ. فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا قَالَتْ قُرَيْظَةُ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ مَا قَالَتْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب لِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ: أَيْنَ مَا وَعَدْتنَا مِنْ نَصْرِ قَوْمِك ؟ قَدْ خَلّوْنَا وَهُمْ يُرِيدُونَ الْغَدْرَ بِنَا قَالَ حُيَيّ: كَلّا وَالتّوْرَاةِ، وَلَكِنّ السّبْتَ قَدْ حَضَرَ وَنَحْنُ لَا نَكْسِرُ السّبْتَ فَكَيْفَ نُنْصَرُ عَلَى مُحَمّدٍ إذَا كَسَرْنَا السّبْتَ؟ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ اُغْدُوا 1 عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِمِثْلِ حَرْقِ النّارِ. وَخَرَجَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ فِدَاءَكُمْ أَبِي وَأُمّي، إنّ قُرَيْشًا قَدْ اتّهَمَتْكُمْ بِالْغَدْرِ وَاتّهَمُونِي مَعَكُمْ وَمَا السّبْتُ لَوْ كَسَرْتُمُوهُ لِمَا قَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ عَدُوّكُمْ ؟ قَالَ: فَغَضِبَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، ثُمّ قَالَ: لَوْ قَتَلَهُمْ مُحَمّدٌ حَتّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ مَا كَسَرْنَا سَبْتَنَا. فَرَجَعَ حُيَيّ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ أَلَمْ أُخْبِرْك يا يَهُودِيّ أَنّ قَوْمَك يُرِيدُونَ الْغَدْرَ ؟ قَالَ حُيَيّ: لَا وَاَللّهِ مَا يُرِيدُونَ الْغَدْرَ وَلَكِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْأَحَدِ. فَقَالَ أَبُو سفيان:(ص. 484)وَمَا السّبْتُ ؟ قَالَ: يَوْمٌ مِنْ أَيّامِهِمْ يُعَظّمُونَ الْقِتَالَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنّ سَبْطًا مِنّا أَكَلُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ السّبْتِ فَمَسَخَهُمْ اللّهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا أَرَانِي أَسْتَنْصِرُ بِإِخْوَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ بَعَثْت عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا: لَا نُقَاتِلُ حَتّى تَبْعَثُوا لَنَا 1 بِالرّهَانِ مِنْ أَشْرَافِكُمْ. وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا جَاءَنَا غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ بِرِسَالَتِهِمْ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَحْلِفُ بِاَللّاتِي إنْ هُوَ إلّا غَدْرُكُمْ وَإِنّي لَأَحْسَبُ أَنّك قَدْ دَخَلْت فِي غَدْرِ الْقَوْمِ قَالَ حُيَيّ: وَالتّوْرَاةِ الّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ مَا غَدَرْت وَلَقَدْ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ هُمْ أَعْدَى النّاسِ لِمُحَمّدٍ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى قِتَالِهِ وَلَكِنْ مَا مُقَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتّى يَخْرُجُوا مَعَك قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا وَاَللّهِ وَلَا سَاعَةً لَا أُقِيمُ بِالنّاسِ انْتِظَارَ غَدْرِكُمْ. حَتّى خَافَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فَخَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ الْخَوْفِ حَتّى بَلَغَ الرّوْحَاءَ، فَمَا رَجَعَ إلّا مُتَسَرّقًا لِمَا أَعْطَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ مِنْ نَفْسِهِ لَيَرْجِعَن إلَيْهِ فَدَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ لَيْلًا وَيَجِدُ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ زَحَفَ إلَيْهِمْ سَاعَةَ وَلّتْ الْأَحْزَابُ.فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ حِينَ جَاءَهُ وَجَعَلَ كَعْبٌ يَأْبَى فَقَالَ حُيَيّ: لَا تُقَاتِلْ حَتّى تَأْخُذَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِهَانًا عِنْدَكُمْ. وَذَلِكَ مِنْ حُيَيّ خَدِيعَةً لِكَعْبٍ حَتّى يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَعَرَفَ أَنّهُ إذَا نَقَضَ الْعَهْدَ لَحَمَ الْأَمْرُ. وَلَمْ يُخْبِر حُيَيّ قُرَيْشًا بِاَلّذِي قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ: فَلَمّا جَاءَهُمْ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ السّبْتَ قَالُوا: لَا نَكْسِرُ السّبْتَ وَلَكِنْ يَوْمَ الْأَحَدِ وَلَا نَخْرُجُ حَتّى تُعْطُونَا الرّهَانَ. فقال عكرمة: أي(ص. 485)رِهَانٍ ؟ قَالَ كَعْبٌ الّذِي شَرَطْتُمْ لَنَا. قَالَ وَمَنْ شَرَطَهَا لَكُمْ ؟ قَالُوا: حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ. فَأَخْبَرَ أَبَا سُفْيَانَ ذَلِكَ فَقَالَ لِحُيَيّ يَا يَهُودِيّ، نَحْنُ قُلْنَا لَك كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ لَا وَالتّوْرَاةِ، مَا قُلْت ذَلِكَ.قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بَلْ هُوَ الْغَدْرُ مِنْ حُيَيّ. فَجَعَلَ حُيَيّ يَحْلِفُ بِالتّوْرَاةِ مَا قَالَ ذَلِكَ. حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمّهِ قَالَ قَالَ كَعْبٌ يَا حُيَيّ، لَا نَخْرُجُ حَتّى نَأْخُذَ مِنْ كُلّ أَصْحَابِك مِنْ كُلّ بَطْنٍ سَبْعِينَ رَجُلًا رَهْنًا فِي أَيْدِينَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ حُيَيّ لِقُرَيْشٍ وَلِغَطَفَانَ 1 وَقَيْسٍ، فَفَعَلُوا وَعَقَدُوا بَيْنَهُمْ عَقْدًا بِذَلِكَ حَتّى شَقّ كَعْبٌ الْكِتَابَ. فَلَمّا أَرْسَلَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ تَسْتَنْصِرُهُ قَالَ الرّهْنُ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا، لِمَا أَرَادَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ -.وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ: أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ أَنْ ائْتُوا فَإِنّا سَنُغِيرُ عَلَى بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوَادِعًا لِلنّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عِنْدَ عُيَيْنَةَ حِينَ أَرْسَلَتْ بِذَلِكَ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ فَأَقْبَلَ نُعَيْمٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا وَمَا أَرْسَلَتْ بِهِ قُرَيْظَةُ إلَى الْأَحْزَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "فَلَعَلّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ". فَقَامَ نُعَيْمٌ بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ. قَالَ: وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ. فَلَمّا وَلّى مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاهِبًا إلَى غَطَفَانَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي قُلْت ؟ إنْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فَامْضِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِك فَإِنّ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا يُؤْثَرُ عَنْك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "بَلْ هُوَ رَأْيٌ رَأَيْته،(ص. 486)الْحَرْبُ خُدْعَةٌ" . ثُمّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِ نُعَيْمٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَرَأَيْت الّذِي سَمِعْتنِي قُلْت آنِفًا ؟ اُسْكُتْ عَنْهُ فَلَا تَذْكُرْهُ!". فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتّى جَاءَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ هَلْ عَلِمْتُمْ مُحَمّدًا قَالَ شَيْئًا قَطّ إلّا كَانَ حَقّا ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَإِنّهُ قَالَ لِي فِيمَا أَرْسَلَتْ بِهِ إلَيْكُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ " فَلَعَلّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ " ، ثُمّ نَهَانِي أَذْكُرَهُ لَكُمْ. فَانْطَلَقَ عُيَيْنَةُ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ نُعَيْمٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ: إنّمَا أَنْتُمْ فِي مَكْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نُرْسِلُ إلَيْهِمْ الْآنَ فَنَسْأَلُهُمْ الرّهْنَ فَإِنْ دَفَعُوا الرّهْنَ إلَيْنَا فَقَدْ صَدَقُونَا، وَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَنَحْنُ مِنْهُمْ فِي مَكْرٍ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ أَبِي سُفْيَانَ فَسَأَلَهُمْ الرّهْنَ لَيْلَةَ السّبْتِ فَقَالُوا: هَذِهِ لَيْلَةُ السّبْتِ وَلَسْنَا نَقْضِي فِيهَا وَلَا فِي يَوْمِهَا أَمْرًا، فَأَمْهِلْ حَتّى يَذْهَبَ السّبْتُ. فَخَرَجَ الرّسُولُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ الْأَحْزَابِ مَعَهُ هَذَا مَكْرٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَارْتَحِلُوا فَقَدْ طَالَتْ إقَامَتُكُمْ. فَآذَنُوا بِالرّحِيلِ وَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرّيحَ حَتّى مَا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يَهْتَدِي لِمَوْضِعِ رَحْلِهِ فَارْتَحَلُوا فَوَلّوْا مُنْهَزِمِينَ.وَيُقَالُ إنّ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ أَنَا آخُذُ لَك مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ سَبْعِينَ رَجُلًا رَهْنًا عِنْدَك حَتّى يَخْرُجُوا فَيُقَاتِلُوا، فَهُمْ أَعْرَفُ بِقِتَالِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ. فَكَانَ هَذَا الّذِي قَالَ إنّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ الرّهْنَ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ وَأَثْبَتُ الْأَشْيَاءِ عِنْدَنَا قَوْلُ نُعَيْمٍ الْأَوّلِ.وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ: "اللّهُمّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمْ الأحزاب؟ اللهم اهزمهم؟"(ص. 487)